سورة الفرقان - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً فَلاَ تُطِعِ الكافرين} أي لو شئنا لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى، ولبعثنا في كل قرية نبياً ينذرها، ولكن شئنا أن تجمع لك فضائل جميع المرسلين بالرسالة إلى كافة العالمين فقصرنا الأمر عليك وعظمناك به فتكون وحدك ككلهم، ولذا خوطب بالجمع {يا أيها الرسل} فقابل ذلك بالشكر والصبر والتشدد، فلا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم، وكما آثرتك على جميع الأنبياء فآثر رضائي على جميع الأهواء، وأريد بهذا تهييجه وتهييج المؤمنين وتحريكهم {وجاهدهم بِهِ} أي بالله يعني بعونه وتوفيقه أو بالقرآن أي جادلهم به وقرعهم بالعجز عنه {جِهَاداً كَبيراً} عظيماً موقعه عند الله لما يحتمل فيه من المشاق، ويجوز أن يرجع الضمير في {به} إلى ما دل عليه {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً} من كونه نذير كافة القرى لأنه لو بعث في كل قرية نذيراً لوجب على كل نذير مجاهدة قريته فاجتمعت على رسول الله تلك المجاهدات فكبر جهاده من أجل ذلك وعظم فقال له: وجاهدهم بسبب كونك نذير كافة القرى جهاداً كبيراً جامعاً لكل مجاهدة.
{وَهُوَ الذى مَرَجَ البحرين} خلاّهما متجاورين متلاصقين. تقول: مرجت الدابة إذا خليتها ترعى، وسمى الماءين الكثيرين الواسعين بحرين {هذا} أي أحدهما {عَذْبٌ فُرَاتٌ} صفة ل {عذب} أي شديد العذوبة حتى يقرب إلى الحلاوة {وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} صفة ل {ملح} أي شديد الملوحة {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً} حائلاً من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج فهما في الظاهر مختلطان وفي الحقيقة منفصلان {وَحِجْراً مَّحْجُوراً} وستراً ممنوعاً عن الأعين كقوله {حجاباً مستورا} [الإسراء: 45]


{وَهُوَ الذى خَلَقَ مِنَ الماء} أي النطفة {بَشَرًا} إنساناً {فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} أراد تقسيم البشر قسمين: ذوي نسب أي ذكوراً ينسب إليهم فيقال فلان بن فلان وفلانة بنت فلان، وذوات صهر أي إناثاً يصاهر بهن كقوله تعالى: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى} [القيامة: 39] {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} حيث خلق من النطفة الواحدة بشراً نوعين ذكراً وأنثى. وقيل: فجعله نسباً أي قرابة وصهراً مصاهرة يعني الوصلة بالنكاح من باب الأنساب لأن التواصل يقع بها وبالمصاهرة لأن التوالد يكون بهما {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُهُمْ} إن عبدوه {وَلاَ يَضُرُّهُمْ} إن تركوه {وَكَانَ الكافر على رَبّهِ} على معصية ربه {ظَهِيرًا} معيناً ومظاهراً. وفعيل بمعنى مفاعل غير عزيز والظهير والمظاهر كالعوين والمعاون والمظاهرة المعاونة، والمعنى أن الكافر بعبادة الصنم يتابع الشيطان ويعاونه على معصية الرحمن.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا} للمؤمنين {وَنَذِيرًا} منذراً للكافرين.
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التبليغ {مِنْ أَجْرٍ} جعل {إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إلى رَبّهِ سَبِيلاً} والمراد إلا فعل من شاء واستثناؤه من الأجر قول ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال ما أطلب منك ثواباً على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه، فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب ولكن صورة بصورة الثواب كأنه يقول: إن حفظت مالك اعتدّ حفظك بمنزلة الثواب لي ورضائي به كرضا المثاب بالثواب، ولعمري إنه عليه الصلاة والسلام مع أمته بهذا الصدد. ومعنى اتخاذهم إلى الله سبيلاً تقربهم إليه بالإيمان والطاعة أو بالصدقة والنفقة. وقيل: المراد لكن من شاء أن يتخذ بالإنفاق إلى رضاء ربه سبيلاً فليفعل. وقيل: تقديره لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجراً إلا اتخاذ المدعو سبيلاً إلى ربه بطاعته فذلك أجري لأن الله يأجرني عليه.


{وَتَوَكَّلْ عَلَى الحى الذى لاَ يَمُوتُ} اتخذ من لا يموت وكيلاً لا يكلك إلى من يموت ذليلاً يعني ثق به وأسند أمرك إليه في استكفاء شرورهم ولا تتكل على حي يموت. وقرأها بعض الصالحين فقال: لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق والتوكل الاعتماد عليه في كل أمر {وَسَبّحْ} من لا يكل إلى غيره من توكل عليه {بِحَمْدِهِ} بتوفيقه الذي يوجب الحمد أو قل سبحان الله وبحمده أو نزهه عن كل العيوب بالثناء عليه {وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً} أي كفى الله خبيراً بذنوب عباده يعني أنه خبير بأحوالهم كافً في جزاء أعمالهم {الذى خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي في مدة مقدار هذه المدة لأنه لم يكن حينئذ ليل ونهار. روي عن مجاهد: أو لها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة، وإنما خلقها في ستة أيام وهو يقدر على أن يخلقها في لحظة تعليماً لخلقه الرفق والتثبت {ثُمَّ استوى عَلَى العرش الرحمن} أي هو الرحمن ف {الرحمن} خبر مبتدأ محذوف أو بدل من الضمير في {استوى} أو {الذي خلق} مبتدأ و{الرحمن} خبره {فسئل} بلا همزة مكي وعلي {بِهِ} صلة (سل) كقوله {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] كما تكون (عن) صلته في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} [التكاثر: 8] فسأل به كقولك اهتم به واشتغل به وسأل عنه كقولك بحث عنه وفتش عنه أو صلة {خَبِيراً} ويكون {خبيراً} مفعول {سل} أي فاسأل عنه رجلاً عارفاً يخبرك برحمته، أو فاسأل رجلاً خبيراً به وبرحمته، أو الرحمن اسم من أسماء الله تعالى مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه فقيل: فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتب حتى تعرف من ينكره، ومن ثم كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة وكان يقال له رحمان اليمامة.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10